كتب : باسل الربيعي
بعد جريمة اغتيال سلاح الجو الاميركي لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري ، الفريق الشهيد قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي ،القائد الشهيد ابو مهدي المهندس، ومرافيقهما في ضربة وجهتها طائرة درون امريكية لموكبهم في محيط مطار بغداد الدولي في الثالث من يناير الجاري ، ردت ايران على الجريمة بضربة من 13 صاروخ استهدفت قاعدة عين الاسد في محافظة الانبار (غرب) وحرير في محافظة اربيل (شمال) ، والحقت بالقاعدتين دمارا هائلا الى جانب مصرع واصابة عدد من الجنود الاميركيين.

المرشد الاعلى السيد علي خامنئي ، وصف الضربة الصاروخية بانها “مجرد صفعة” مؤكدا ان الانتقام الحقيقي لاغتيال سليماني يتحقق فقط بخروج القوات الاميركية من المنطقة.
واثارت جريمة اغتيال سليماني والمهندس غضب الشارع العراقي ، وخرج اكثر من مليون عراقي يوم الجمعة 24 يناير في تظاهرات مطالبة بجلاء القوات الاميركية عن الاراضي العراقي . وكان زعيم التيار الصدري ،السيد مقتدى الصدر، اول من دعا العراقيين للتظاهر ثم انضم اليه قادة فصائل المقاومة الاسلامية التي تشكل ثقلا في هيئة الحشد الشعبي ، وتعتبر من الاوساط المسلحة التي تمتلك علاقات طيبة مع طهران ولاتنسى فضل جمهورية ايران الاسلامية كونها كانت اول من بادر الى امداد هذه الفصائل بالسلاح والذخيرة لمواجهة الارهاب الداعشي الذي احتل مساحات شاسعة من الاراضي العراقية ووصل ابواب العاصمة العراقية.

ولاجل تحقيق الرغبة الايرانية التي تتماها معها رغبات سائر قوى المقاومة في المنطقة ، بخروج القوات الاجنبية ، وفي مقدمها الاميركية، من المنطقة ، فان انجع السبل لتحقيق هذه الرغبة هو سلب الامان من القوات الاميركية وتكبيدها اكبر حجم ممكن من الخسائر البشرية والمادية ، لما لذلك من تأثير على الرأي العام الاميركي الذي اعرب عن رفضه لحادث اغتيال قاسم سليماني ولاي محاولة من جانب الرئيس دونالد ترامب لشن حرب على ايران ، والذي لايبدو ، اي الشارع الامريكي ، على استعداد لدفع المزيد من التكلفة البشرية في صراعات لاتعود عليه بالفائدة ، وان واشنطن تخوضها نيابة عن شركائها وحلفائها ، وعلى رأسهم السعودية واسرائيل.

طهران وخلال العقود الاربعة الماضية ، وفي خضم صراعها مع واشنطن وتل ابيب ، تعرضت لاشكال مختلفة من التطاول الاميركي والاسرائيلي على مصالحها ، وفقدت الكثير من قادتها وعلمائها ضمن مؤامرات واغتيالات نفذتها اجهزة الاستخبارات الاميركية والصهيونية ، لكنها في المقابل لم تبق مكتوفة الايدي او تركن للخنوع وتعترف بالهزيمة ، بل بادرت الى تنفيذ عمليات انتقامية بمختلف الابعاد والاوزان والجغرافيا وبهدوء تام بعيدا عن “التطبيل والتزمير” ، وكان اعداؤها على يقين ان ايران هل الضالعة في تلك الردود الانتقامية الا انهم قرروا ابتلاع السنتهم وعدم التصعيد خشية من ردود ايرانية اعنف تطيح بهيبتهم وجبروتهم وبصورة “السوبرمان” التي صنعوها لانفسهم بين الشعوب.

وبما ان جريمة اغتيال القائدين سليماني والمهندس قد ادمت قلوب الايرانيين ، وجعلت المرشد الاعلى السيد علي خامنئي يشعر بالاسى والحزن الشديد ، فان الانتقام وكما قال خامنئي يتحقق فقط بخروج الاميركيين من المنطقة ، وقد اعرب خامنئي وكبار القادة في ايران عن ارتياحهم لـ “مليونية السيادة” في العراق ، ويبدو ان الدور حان الان لكي يضطلع الافغان بدورهم في زعزعة امن الاميركيين واخراجهم من بلادهم .

واذا ما نظرنا الى التغير الكبير في العلاقات بين حركة الطالبان الافغانية وجمهورية ايران الاسلامية ، فانه من غير المستبعد ان طالبان تشعر هي الاخرى بثقل فقدان القائد سليماني الذي كان على اتصال وتواصل مع كل القوى العربية والاسلامية المناهضة للغطرسة الاميركية والاسرائيلية في المنطقة ، لذلك يبدو مقبولا لو قلنا ان حركة الطالبان عملت على الثأر لسليماني باسقاط الطائرة الاميركية ومقتل من على متنها ، ولاسيما ان الحركة زعمت بان ضباطا اميركيين رفيعي المستوى كانوا من بين القتلى.

وكانت الحركة دخلت في عدة جولات من المحادثات مع الجانب الاميركي حول انخراطها في العمل السياسي مقابل خروج القوات الاميركية من الاراضي الافغانية ، لكنها لم تجد الجدية في الجانب الاميركي وانها لمست كذلك مقدار التذبذب في مواقف الرئيس ترامب حيال المحادثات معها وباتت شبه متيقنة بان الحوار مع واشنطن لايصل الى النتيجة المرجوة فالمماطلة والكذب والخداع سمة لاتنفك عن سياسة واشنطن الخارجية، في حين انها توصلت في محادثاتها مع الوسيط الايراني ، خلال محادثات استضافتها طهران ، الى نتائج وصفها الطرفان بانها ايجابية. وان كانت ايران اكدت بانها لن تطلب من حلفائها الانتقام من الاميركيين لاغتيالهم سليماني والمهندس ، لكن يبدو ان الحلفاء الذين قلنا انهم متماهون معها في الاهداف والتطلعات ، قد بدأوا ، بطلب ايراني مباشر او بتكليف اخلاقي ، مرحلة المواجهة مع الاميركي علهم ينجحون بطرده من المنطقة وبذلك يردون الجميل للشهيد الفقيد وللمرشد الاعلى السيد علي خامنئي الذي طالما شدد على دعمه ودفاعه عن المسلمين والمستضعفين وعدم التخلي عن نصرتهم مهما كانت الظروف.